حكم إفرازات المرأة المهبليّة (الطهر):
هناك موضوعٌ آخر يشغل بال الكثير من النساء وكثرت علي التساؤلات بخصوصه: الإفرازات المهبلية اليومية التي تراها المرأة، وهي سائلٌ أبيض مخاطيٌّ أو حليبيٌّ، وتسمّى هذه الإفرازات بالطهر في كثير من الأحيان، لأن المرأة تراها في أوقات طهرها من الحيض، وهي
إفرازات تختلف عن إفرازات المنيّ التي تخرج من المرأة في حالة المعاشرة الزوجية أو الاستمناء أو الاحتلام، وقد اتفق الفقهاء حول تسبّبه بوجوب الغُسل، لكنهم اختلفوا حول نجاسة إفرازات المني، فذهب جمهور الفقهاء إلى نجاسته وذهب الشافعية إلى طهارته .
كما تختلف هذه الإفرازات المهبلية اليومية للمرأة عن إفرازات المذي التي تخرج من المرأة في حالة وجود الشهوة الجنسية، وقد اتفق الفقهاء حول نجاسة هذه الإفرازات ونقضها للوضوء .
والحقيقة أن هذه الإفرازات المهبلية التي تخرج من المرأة بشكل يومي تقريباً تشكّل لها مشكلة في كثير من الأحيان، فمن النساء من تعيد وضوءها لخروج هذه الإفرازات منها، وقد تغّير ثيابها الداخلية بسببها، على أساس أنها نجسةٌ وناقضةٌ للوضوء، وكثيراً ما تسبّب هذه الإفرازات مشقةً وحرجاً على المرأة، وخصوصاً إذا كانت خارج منزلها وأدركتها الصلاة، الأمر الذي يؤدي ببعض النساء إلى ترك الصلاة في وقتها، لتقضيها حين عودتها إلى المنزل.
• * *
هل هذه الإفرازات نجسة فعلاً وناقضة للوضوء، أم لا؟!
أقول: لم يرد في حكم هذه الإفرازات قرآنٌ كريمٌ أو سنةٌ شريفةٌ، ولاستنباط الحكم الشرعيٍ لهذه الإفرازات علينا أولاً أن نعود إلى تعريفها من الناحية الطبية.
رأي الطب في هذه الإفرازات:
الدكتورة ربا الأسدي، الاختصاصية في التوليد وأمراض النساء وجراحتها تتحدث عن هذه الإفرازات، فتقول:
(الإفرازات المهبلية نوعان: إفرازاتٌ طبيعيةٌ، وإفرازاتٌ مرضيةٌ.
الإفرازات الطبيعية هي إفرازاتٌ سائلةٌ مخاطيةٌ تضرب إلى البياض، تفرزها غددٌ موجودةٌ في عنق رحم المرأة، كما يفرز الجدار المهبلي للمرأة سائلاً حليبي اللون وغير لزج. ويطرأ على هذه الإفرازات تغيّراتٌ دوريّةٌ من حيث الكمية، فهي تتأثر بالطمث (الحيض)، وتتأثر بالإباضة، كما تتأثر بالمعاشرة الزوجية، ولهذه الإفرازات وظيفةٌ هامةٌ هي ترطيب سطح المهبل، بالإضافة إلى أنها وسيلةٌ دفاعيةٌ؛ لأنها تُعتبر وسطاً حامضياً يطرد الجراثيم، ويعتبر وجودها أمراً طبيعياً وضرورياً لدى كل النساء بكمياتٍ متفاوتةٍ.
أما الإفرازات المرضية، فهي التي تحدث عندما تكون هناك جرثومةٌ أو حالةٌ التهابيةٌ في المنطقة التناسلية، فتتبدّل صفات هذه المادة من حيث اللون والكمية، وقد تكون مصحوبةً بأعراضٍ مرضيّةٍ أخرى كالحكّة والاحمرار).
إذن هذه السوائل أو الإفرازات المهبلية الطبيعية التي تراها المرأة، هي أمرٌ ضروريٌ يشبه الدمع أو العرق، مهمتها الأولى ترطيب المكان، ولها مهمةٌ ثانيةٌ هي مقاومة الجراثيم التي تحاول الدخول إلى الرحم.
• * *
رأي الفقهاء القدامى في إفرازات المرأة المهبلية:
بعد هذا الرأي الطبي نتساءل: ما هو الحكم الشرعي لهذه الإفرازات؟
هل بحث الفقهاء القدامى هذه المسألة؟
والجواب: نعم.. بحث الفقهاء القدامى هذا الموضوع، وأطلقوا على هذه الإفرازات اسم (رطوبة فرج المرأة)، وذهب المالكية إلى نجاسة هذه الرطوبة، بينما اختلفت الأقوال في مذهبي الشافعية والحنبلية بين النجاسة والطهارة.
أما الحنفية فميزوا بين الرطوبة الخارجية لفرج المرأة، وهي طاهرةٌ عندهم، وبين الرطوبة الداخلية للفرج، وهي نجسة.
ولم يوضح هؤلاء الفقهاء علاقة هذه الرطوبة بالوضوء، هل هي ناقضةٌ له أم غير ناقضة.
بينما ذهب الظاهرية إلى طهارة هذه الإفرازات، وأنها لا تنقض الوضوء، لعدم ورود دليلٍ من القرآن الكريم أو السنة الشريفة، إضافةً إلى أنَّ الفقهاء لم يُجمعوا على نجاستها ونقضها للوضوء.
إذن هذه هي آراء الفقهاء في حكم إفرازات المرأة، وقد اختلفت آراؤهم في هذا المجال بناء على فهمهم لطبيعة هذه الإفرزات، فمنهم من ميّز بين رطوبة الفرج الداخلي والخارجي، ومنهم من اعتبرها نجسة مطلقاً، ومنهم من اعتبرها طاهرة مطلقاً، ولكنهم لم يتعرضوا لحكم نقضها للوضوء، سوى ما ورد عن الظاهرية من عدم نقضها للوضوء.
• * *
آراء الفقهاء المعاصرين في إفرازات المرأة المهبليّة:
هنالك من الفقهاء المعاصرين من بحث هذا الموضوع بحثاً جديداً، رجع فيه إلى التأصيل الشرعي من جهة، وإلى المعلومات الطبية الحديثة من جهةٍ أخرى، من هؤلاء الشيخ ابن عثيمين، والدكتور مصطفى الزرقا، والشيخ الألباني.
وقد ميّز هؤلاء العلماء بين المذي الذي يخرج عند وجود الشهوة، والودي الذي يخرج عقب البول، وبين الإفرازات المهبلية التي تخرج في الحالات العادية، دون أن يصاحبها شهوةٌ ولذةٌ جنسية.
فالمذي والودي متفقٌ على نجاستهما وعلى نقضهما للوضوء، لورود حديثٍ صحيحٍ بخصوص نقض المذي للوضوء، ولأنَّ الوديَ يخرج مع البول ويلامسه، ممّا يؤدي إلى نجاسته ونقضه للوضوء.
أما المفرزات التي تخرج من المرأة في الحالات العادية، فهي في رأي هؤلاء العلماء المعاصرين طاهرةٌ ولا تنقض الوضوء، واستندوا في هذا الرأي على ما يلي:
1- عدم وجود دليلٍ من القرآن أو من السنة أو من الإجماع يدل على نجاسة هذه المفرزات وعلى نقضها للوضوء، وما لم يرد عليه دليلٌ فالأصل فيه الطهارة، ولا يمكن أن يقال: كل ما خرج من أحد السبيلين نجسٌ، ولذلك فإنَّ هذه المفرزات نجسةٌ، وذلك لعدة أسباب:
منها، أن هذه المفرزات لا تخرج من أحد السبيلين، وإنما تخرج من مكانٍ ثالثٍ، هو موضع الحرث والنسل وخروجِ الولد.
ومنها أنَّ مسألة نجاسة أي شيءٍ يخرج من أحد السبيلين ليس أمراً متفقاً عليه، فقد اختلف الفقهاء في حكم المنيّ، فذهب الشافعية إلى طهارته، بينما ذهب الجمهور إلى نجاسته.
2- هذه المفرزات هي حالةٌ خَلقية طبيعيةٌ ملازمةٌ لكل أنثى، وهي مفرزاتٌ وظيفيةٌ، لا تستطيع الأنثى الاستغناء عنها أو التحكّم بها، وتوجد عند كل النساء بدرجات متفاوتة من حيث الغزارة والاستمرارية، وبالتالي فإنَّ تكليف المرأة بالوضوء وتغيير ملابسها الداخلية عند خروج هذه المفرزات، يؤدي إلى تكليفها بما يشقّ عليها، خصوصاً إذا كانت من النساء اللواتي يرين هذه المادة مرّاتٍ كثيرةً في اليوم الواحد، وطالما أنه لا يوجد دليلٌ من القرآن أو من السنة على نجاسة هذه المفرزات، فلا داعيَ للحكم بنجاستها ونقضها للوضوء.
3- تمييز الحنفية بين حكم المفرزات الداخلية والمفرزات الخارجية لا يقوم على دليل، إذ إنَّ المرأة نفسها لا تستطيع التمييز بين هذه المفرزات، لاختلاطها وخروجها من نفس المخرج!
هذه هي آراء بعض الفقهاء المعاصرين في هذا الموضوع، وهي آراءٌ وجيهةٌ يمكن الأخذ بها وتقليدها، لأنها تستند إلى أدلةٍ شرعيةٍ صحيحةٍ، كما تستند أيضاً إلى ما وصل إليه العلم الحديث في تفسير هذه المفرزات وتعليل وجودها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق